مشكلة المحاسبة في الواقع الاقتصادي تكمن في أنها تسعى لتحقيق موضوعية في تسجيل الأحداث المالية، ولكن هذه الموضوعية تقتصر على وجود إثبات مادي مثل فواتير أو عقود يمكن ربطها بالأحداث الاقتصادية. فمثلاً، لا يُسجل الإيراد في المحاسبة إلا إذا تم تحقيقه “فعلياً”، ولكن تعريف ماهية هذا التحقق يمكن أن يكون معقدًا. هل يتحقق الإيراد عندما يتم التبادل بين النقد والسلع المباعة؟ وهل يتوجب وجود فواتير وسندات قبض لإثبات هذا التبادل؟ وهنا تظهر التحديات التي تواجه المحاسبة، حيث أن التبادلات ليست دائمًا نقدية، ويمكن أن يكون هناك تسليم للسلع دون دفع نقدي فوري، والعكس قد يحدث أيضًا.

Thank you for reading this post, don't forget to subscribe!

بعض الأشخاص يعتقدون أن الحقيقة الاقتصادية تكمن في تبادل الحقوق، حيث ينتقل حق الملكية من شخص إلى آخر، حتى إذا لم يتم نقل الملكية على الواقع. هذا المفهوم يثير تساؤلات حول ما إذا كانت الموضوعية تعتمد على وجود دليل مادي مثل الفواتير وسندات القبض أم على تبادل الحقوق.

هذا النقاش يقودنا إلى فلسفة جون سيرل حول النوايا الجماعية، حيث يعتقد بأن الحقيقة الاقتصادية تتشكل من خلال تكرار النوايا الجماعية. بمعنى آخر، فإن الأفراد يتفقون على تحقيق حقيقة اقتصادية مشتركة عبر تبادل الحقوق. هذا يعني أن الحقيقة المحاسبية ليست مجرد انعكاس للوقائع الطبيعية، بل هي نتاج للنوايا والاتفاقات الاجتماعية.

وهذا يثير تساؤلات حول مفهوم المحاسبة نفسه، حيث يعتبره البعض اختراعًا اجتماعيًا يعتمد على تفسيرات وتعريفات تم اتفاق عليها من قبل المجتمع المحاسبي. على سبيل المثال، مفاهيم مثل الأصول وحقوق الملكية والإيرادات والمصروفات ليست مفاهيم طبيعية، بل هي مفاهيم تم تطويرها لتلبية احتياجات المحاسبة. وبالتالي، تعتمد المحاسبة على تحديد وتطبيق هذه المفاهيم والنظريات التي تخضع للتغيير مع تطور الظروف والمفاهيم الاقتصادية.

بشكل عام، المحاسبة تتعامل مع الواقع الاقتصادي من خلال عدسة مفهومية واجتماعية تعتمد على النوايا والاتفاقات، وهذا يجعلها قابلة للتغيير والتأقلم مع تطورات الاقتصاد والمجتمع. لذلك، يجب أن يكون هناك وعي دائم بأن المحاسبة ليست مجرد انعكاس للواقع الاقتصادي بل هي تفسير وتحليل لهذا الواقع من خلال عدسة محاسبية.

 

أشترك الان فى برنامج Matix ERP

للآدارة الحسابات والمبيعات