يوجد اختلاف كبير بين العمل الإبداعي والاحتيال، ومع ذلك، في الواقع، قد يكون الفارق بينهما ضئيلاً إلى حد ما، وكما يُقال، “بين العبقرية والجنون شعرة”. في هذه السلسلة من المقالات، سنتناول مفهوم المحاسبة الإبداعية (Creative accounting) والاحتيال المحاسبي (Accounting fraud)، وسنتناول أيضًا الطرق المختلفة التي يمكن أن تؤدي إلى عرض نتائج غير حقيقية، مثل إدارة الأرباح (Earnings Management)، ونسلط الضوء على العلاقة بين هذه الممارسات والانهيارات أو الفضائح المحاسبية (Accounting scandals). دور المحاسبة يلعب دورًا مهمًا في فهم هذه الفضائح التي تحدث في عالم الأعمال، ويمكن ربط هذه المعلومات بالأحداث والأخبار التي تحدث في العالم والتي تسهم في انهيار الشركات وانتشار الفساد وتقويض حوكمة الشركات.

يشير مايكل جونز، أستاذ المحاسبة المالية، إلى أهمية محاسبة الشركات في الحفاظ على سجلات دقيقة توفر صورة واضحة للمستثمرين والأطراف المعنية بأداء الشركة. ومع ذلك، في الحالات التي يكون فيها أداء الشركة ضعيفًا، يمكن لإدارة الشركة أن تلجأ إلى استخدام ممارسات المحاسبة الإبداعية لتحسين الأداء بطرق غير مشروعة. يمكن أيضًا استخدام المرونة في المحاسبة لتحقيق أهداف إدارية، مثل تحسين الأرباح أو تضخيم قيمة الأصول. وفي هذا السياق، يمكن أن تكون هذه الممارسات قانونية إذا تم استخدامها بشكل صحيح.

مع ذلك، في بعض الحالات، تتعمد الإدارة التلاعب بالمعلومات المحاسبية بطرق غير قانونية. يمكن أن تواجه الشركات صعوبات مالية خطيرة، مما يجعلها تلجأ إلى استخدام تقنيات محاسبية محظورة أو تزوير السجلات أو تسجيل معاملات وهمية للبقاء على قيد الحياة أو لإخفاء المشكلات المالية. في بعض الأحيان، تبدأ الشركات باللجوء إلى المحاسبة الإبداعية، ولكن في نهاية المطاف، تنتهي بارتكاب أفعال احتيالية. وهذا يعكس المشكلة المعروفة باسم مشكلة الوكالة (Agency problem)، التي تم تفسيرها بواسطة نظرية الوكالة (Agency Theory).

في كتاب مايكل جونز، تم محاولة إلقاء الضوء على دور المحاسبة، ولا سيما المحاسبة الإبداعية والاحتيال، في حالات الفضائح المحاسبية. سنقوم في هذه السلسلة بتقديم المزيد من المعلومات حول هذا الموضوع بتفصيل أكبر، وسنتناول بعض التجارب الدولية ذات الصلة.

على الرغم من أن المحاسبة تهدف إلى تحقيق الشفافية والتأكد من سلامة العمليات، إلا أن ممارسات الشركات قد تتطور نحو المحاسبة الإبداعية بهدف تقديم صورة مغلوطة لأداء الشركة لأغراض خاصة أو للتضليل. ولكن الأمر يتحول إلى أسوأ عندما تتحول المحاسبة الإبداعية إلى أداة للتزوير والتضليل المالي. في هذه الحالات، يجب أن يتم الحد من هذا النوع من الفساد من خلال تطوير أدوات الحوكمة وتعزيز فعالية الرقابة المالية، من أجل الحفاظ على استقرار الاقتصاد وحماية حقوق المستثمرين المحليين والعالميين. في المقال المقبل، سنتناول هذا الموضوع بمزيد من التفصيل وسنستعرض بعض الأمثلة على الفضائح المحاسبية الدولية المعاصرة.